خطب عن الزلازل


أيها الناس:

اتقوا الله تعالى, وتذكّروا نعم الله عليكم, واشكروه عليها: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾.ومن أعظم نعم الله هذه الأرض تعيشون على ظهرها, حيث بارك الله فيها وقدر فيها أقواتها وجعلها ذلولاً, قراراً, أي قارة ثابتة لا تتحرك ولا تميد وأرساها بالجبال حتى نتمكن من البناء عليها والعيش على ظهرها, والمشي في مناكبها .ولتكون مِهادًا ومستقراً للحيوان والنبات والأمتعة وليتمكّن الحيوان والناس من السعي عليها والمشي في مناكبها والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم والتمكن من أعمالهم ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قرارًا ولا هدوءًا, ولم يتمكنوا من عمارتها،وتحقيق المصالح فيها.وكثيرٌ من الناس إلا من رحم الله, في غفلة عن التفكر فيعِظَمِ هذه النعمة, حتى يروا ما يضطرهم إلى ذلك, حينما يرون أو يسمعون, بالزلازل، أو الخسوف, أو البراكين, التي تحدث بأمر الله سبحانه.

امة الإسلام
إن كثرة الزلازل وتتابعها من علامات الساعة التي أخبر عنها المصطفى صلى عليه وسلم .روى البخاري عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض )وروى أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن حواله قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي فقال يابن حواله إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك .وروى الإمام بسند صحيح عن سلمة بن نفيل قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه فقال أني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا وستأتون ـــ يفنى بعضكم بعضا وبين يدي الساعة ـــ شديد وبعده سنوات الزلازل .

الزلازل آية باهرة تدل على قدرة الله ووحدانيته فالعباد تحت قبضته ، وتحت رحمته .خلق لهم الأرض وأنعم بها عليهم وجعل فيها معايشهم وأرزاقهم ولكن انظر لحظة اضطرابها وزلزلتها بعد إن كانت ساكنة مطمئنة لترى بنفسك الدلائل والواضحات على قدرة الخالق سبحانه وإرادته وحكمته ووحدانيته .ثم تأمل عظمته سبحانه وأن مقاليد الأمور بيده فيمن نجا كيف نجا وفيمن هلك كيف هلك لترى بنفسك مدى القدرة الإلهية .والزلازل تخويف وعظة .وظهورها وعيد من الله لأهل الأرض قال تعالى ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) ولما رجفت الأرض في الكوفة . قال ابن مسعود أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه .أي يطلبكم الرجوع عن الإساءة واسترضائه فافعلوا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الريح الشديدة عرف في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف المفضي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك ولاسيما وقد لقى الخبر أن أكثر الزلازل من اشراط الساعة .وقد تكون الزلازل غضبا وانتقاما من الكافرين وقد أهلك الله والأمم الماضية بكفرهم وجحدهم لرسالات رب العالمين .فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .وقال تعالى في قوم شعيب ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ).والرجفة هي الزلازل الشديدة .قال عمر بن عبد العزيز ( إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد ) .
أيها الأخوةهذه الزلازل تذكرنا بيوم الزلزلة الكبرى ( يوم القيامة لأريب فيه )
( يوم الآزفة إل القلوب لدى الحناجر كاظمين ) ( يوم يقوم الناس لرب العالمين)
( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة )إنه يوم الزلزلة ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )(وإذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا )
( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ( (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها)

أيها الأخوة
ما كانت الزلزلة إلا عند شيء أحدثه الخلق ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )(من يعمل سوءا يجز به ) ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لنذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ).فالذنوب والمعاصي سبب كل بلية ومصيبة فهل اتعظنا واعتبرنا .
قال ابن القيم ومن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها ((وعن صفية بنت أبي عبيد قالت زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر فخطب عمر الناس فقال أحدثتم لقد عجلتم لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم .
قال كعب ( إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا من الله جل جلاله أن يطلع عليها ( .وفي رواية ( تزلزلت الأرض على عهد عمر فقال أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه والذي نفسي بيده إن عادت لا أسكنكم فيها أبدا ) رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح
.نعم والله ما كانت الزلزلة إلا عن شيء أحدثناه وما أكثر المحدثات والمحالفات إن ذنوبا جسيمة جلبت علينا الكوارث والمحن والمصائب والويلات التي تهددنا وتهدد العالم أجمع بالخراب .فاحذروا الذنوب احذروا الربا احذروا الزنا احذروا ترك الصلاة احذروا الغناء احذروا الظلم وبخس المكاييل والموازيين احذروا خذلان أخوانكم المسلمين في كل مكان ..ومن سنته تعالى أنه قد يمهل أقواماً ويرجئ عذابهم إلى وقت ما،ويمدهم مع ذلك بالأموال والبنين،ويوسع عليهم في حياتهم،ويسهل لهم الصعاب ويمهد لهم سبل المعاش؟.
فيظن الجهال منهم بسنة الله أنهم على خير،وأنهم ناجون غير معاقبين،والحقيقة أن الله يستدرجهم ويملي لهم من حيث لا يتصورون حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55، 56].
ويقول تعالى :
وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا [الحج: 48].
الإملاء : الإمهال والتأخير .. كما قال تعالى إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً [آل عمران: 187].
ووجود الأموال والأولاد وكل ما في الدنيا من مغريات،كل ذلك لا قيمة له عند الله إذا ما كان أصحابها يعصون ربهم وَمَا أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ بِٱلَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً [سبأ: 27].
نعم إلا من آمن وعمل صالحاً، فالله سبحانه لا يعتبر أحدًا لعظيم جاهه ولا رئيس لرياسته، ولا غني لغناه وثروته،ولا شريف لحسبه ونسبه،ولا جميل المنظر لصورته وبهائه،إنما المعتبر عنده سبحانه المؤمن الذي يخضع له، قال سبحانه: قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ [الفرقان: 77]. أي ما يبالي بكم، ولا لكم عنده قدر ولا قيمة. لولا دعاؤكم أي لولا وجود إيمانكم وعبادتكم وقال : ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)). رواه مسلم عن أبي هريرة.

ولقد أهلك الله عز وجل أممًا وأقواماً وقروناً وأجيالاً،كانوا أشد منا قوة وأطول أعماراً وأرغد عيشاً وأكثر أموالاً،فأستأصلهم وأبادهم، ولم يبق لهم ذكر ولا أثر، وتركوا وراءهم قصوراً مشيدة وآباراً معطلة وأراضٍ خالية وزروعاً مثمرة،ونعمة كانوا فيها فاكهين، فأورث كل ذلك قوماً آخرين فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ [الدخان: 29] وفي هذا يقول سبحانه:
أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ [الأنعام: 6]. وقال وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكرًا فذاقت وبال أمرها خسرًا . ما السبب؟ السبب المعاصي والذنوب، وإلا فما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان فلم يبق على وجه الأرض إلا ما كان في السفينة؟ ما الذي أغرقهم إلا المعاصي والشرك. قال تعالى عن دعوة نوح رب لا تذر على الأرض من الكافين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا .
وقوم عاد : لماذا أرسل عليهم الريح فأصبحوا عبرة للمعتبرين كما قال تعالى وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية . أهل الذنوب والمعاصي.
وقوم ثمود : لماذا أهلكهم الله بالصحية فماتوا عن بكرة أبيهم؟ وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها . [هود: 17] .. إنها الذنوب والمعاصي.
وقوم لوط : لماذا أمر الله جبريل عليه السلام برفع مدنهم إلى أعلى الفضاء ثم جعل عاليها سافلها مع رجمهم بالحجارة من سجيل فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد . [هود: 82, 83].
ولماذا أغرق الله فرعون وقومه في البحر؟ فالأجساد غرقى والأرواح حرقى، النار يعرضون عليها صباحاً ومساءً فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين،وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون . [القصص: 41] . وهكذا باقي الأمم السابقة كقوم شعيب وقارون وقوم تبع وغيرهم قال جل وعلا: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض. ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . [العنكبوت: 40] وإذا كان العقاب قد حصل لهؤلاء الأقوام السابقين وقد كانوا يفعلون بعض المعاصي وليست كلها. فقوم لوط .. كانت جريمتهم اللواط، وقوم شعيب تطفيف الكيل والميزان، وهكذا فكيف إذا اجتمعت المعاصي والكبائر كلها في أمة، كما هي مجتمعة الآن في بلاد المسلمين.
وعندما أخبر النبي أن هذه الأمة سيكون فيها خسف ومسخ وقذف لم يذكر أن السبب هو تصدع سطح الأرض وانشقاقها،إنما السبب هو المعاصي فقال:
((سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)) [4149 صحيح الجامع].
وعندما وقعت هزة أرضية في المدينة على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فجاء إلى أم المؤمنين عائشة عنها وسألها؟ فماذا قالت له؟ قالت: كثرت الذنوب في المدينة، فماذا قال ؟ جمع الناس وقاله لهم: والله ما رجفت المدينة إلا بذنب أحدثته أو أحدثتموه، والله لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً.
وقال كعب : (إنما تزلزل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي فترعد خوفًا عن الرب جل جلاله أن يطلع عليها).

الخطبة الثانية :
أيها الأخوة قال شيخ الإسلام ( السنة في أسباب الخير والشر أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظاهرة والأعمال الصالحة مايجلب الله به الخير وعند أسباب الشر الظاهرة من العبادات مايدفع الله به عنه الشر ..ومن ذلك الصلاة عند الزلازل قال ابن قدامه يصلى للزلزلة كصلاة الكسوف .وصلى ابن عباس للزلزلة بالبصرة . رواه البيهقي بسند صحيح.ولكن لاتشرع لها الجماعة ولكن تصلى فرادى .ومن ذلك التوبة والندم .إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه .ومن ذلك الذكر والدعاء والاستغفار قال القسطلاني ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها كالصواعق والريح الشديدة والخسف .قال السيوطي ( ومما يستحب عند الزلزلة ( الدعاء والتضرع ) . ومما يشرع الصدقة .فعن جعفر بن بركان قال قال كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز في زلزلة كانت بالشام أن أخرجوا يوم الاثنين من شهر كذ وكذا ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل فإن الله تعالى يقول ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) .

عباد الله:الزلازل والخسف, يُذَكِّر المؤمن بيوم القيامة, بيوم الزلزلة الكبرى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌعَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْوَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْبِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ ، ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّافَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ ، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً﴾ ، ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ . ولا يسلم في ذلك اليوم العظيم إلا من بذل أسباب النجاة, نسأل الله أن يجعلنا في ذلك اليوم من الآمنين .

الكاتب : الدكتورابراهيم الطلحة

0 التعليقات: