«الخيانة الإلكترونية»... خطر جديد يهدد الحياة الزوجية في السعودية

حذّر اختصاصيون من ارتفاع نسبة الخيانة الإلكترونية بين الأزواج في السعودية أكثر مما هي عليه الآن، معتبرين أن تنوّع وسائل التقنية الحديثة وتطور الأجهزة الذكية وسهولة توافرها في أيدي أفراد الأسرة كافة تسهم في تعزيزها، مبيّنين أن الخيانة الزوجية باتت أقرب إلى كونها ظاهرة مقلقة في المجتمع وتتطلّب وضع الحلول العاجلة لها.
ولم تعد الخيانة تقتصر على رجل تعرف على امرأة وأضحى «يعاكسها» خلسة بعد منتصف الليل عبر الهاتف الثابت كما كان قبل عقود، فمنذ اقتحام وسائل التقنية الحديثة تفاصيل حياة الناس تغيّرت الحال وأصبحت مختلفة.
وتؤكد الاختصاصية النفسية في جامعة الإمام محمد بن سعود استشارية الأسرة زهراء حربان، أن الخيانة عبر وسائل التواصل الاجتماعي زادت حدتها خلال العامين الماضيين، مضيفة: «عادة ما تلجأ إليّ شابات صغيرات في بداية حياتهن الزوجية يطلبن الاستشارة ويشتكين خيانة أزواجهن المتكررة، إذ تنتابهن مشاعر الألم والحزن والانكسار جراء شعورهن بأنهن خدعن وظلمن من شركاء حياتهن، فمن أمثلة تلك الحالات التي صادفتها، امرأة لم يمضِ على زواجها سوى خمسة أعوام ولديها طفل، حاولت ثني زوجها عن خياناته المتعددة لكن من دون جدوى، إذ تبين لها أنه من مشاهير برنامج «كيك» وله العشرات من المعجبات والصديقات، ما يدفعه إلى السفر برفقتهن كل أسبوع، فضلاً عن الإجازات الصيفية التي يقضيها معهن، وحين واجهته زوجته بالأمر أنكر متذرعاً بأن سفره لإنجاز أعماله التجارية وصفقاته، بينما يغدق عليها بين الفينة والأخرى الهدايا تعويضاً لها عن خيانته، وفي آخر الأمر لم تتحمل وطلبت الطلاق».
وتروي حربان قصة امرأة ابتليت هي الأخرى بخيانة زوجها، موضحة أن الزوج دأب قبل الزواج على ممارسة العلاقات النسائية، ولم تتغيّر حاله بعد زواجه مفضلاً الاستمرار على ما هو عليه، مضيفة: «حين أخبرته زوجته بأنها لا تطيق مواصلة الحياة معه، لم ينكر ممارسته الخيانة، واضعاً إياها في الاختيار بين ترك دراستها والتفرغ له، أو استمراره في مصاحبة النساء، وكذلك الحال مع امرأة لم تكمل عاماً مع زوجها حين فوجئت بإهماله وعدم تحمله مسؤولياته، وقضائه معظم الوقت غائباً عنها وجلوسه وحيداً في الغرفة الخارجية للمنزل، حتى اكتشفت أنه يتمتع بعدد من العلاقات النسائية التي كوّنها عبر البرامج والتطبيقات الخاصة بالأجهزة الذكيّة». وبيّنت الحربان أنه في مثل هذه الحالات يسعى الاختصاصيون إلى تعزيز السلوك الإيجابي في نفس الشخص ليحل محل السلوك السلبي، مشيرة إلى أنها تطلب من المرأة عدم التسرع في الحكم على الزوج بالخيانة ما لم تتأكد منها، إذ ربما تكون مجرد شكوك مثل التي تقع بين معظم الأزواج، مضيفة: «نهتم بإرشاد المرأة إلى تطوير ذاتها، والاهتمام بممارسة الهوايات المحببة لديها، والبعد عن بؤرة التلصص على الزوج ومتابعته وتصيّد عثراته، ونرشدها إلى كيفية اختيار الوقت المناسب للتحدث إلى شريكها، من أجل التحاور الهادف المتعقل والتوصل إلى الحلول البعيدة عن الانفعالات».
وأفادت الحربان بأن أسباب الخيانة الزوجية تعود إلى عوامل عدة، مثل الرفقة السيئة وتجمعات الشبان في الاستراحات، والانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي من دون ضوابط، وسهولة تكوين العلاقات غير الشرعية، والتراخي من الأب والأم في تربية وتوجيه أبنائهما وبناتهما، مشددة على أهمية توعيتهم وتربيتهم دينياً، وتهيئتهم لتحمل أعباء الزواج وتقبل الشريك الآخر، محذّرة الشبان والشابات من التساهل في الوقوع في العلاقات المحرمة قبل الزواج، معتبرة أن معظم الذين يستسهلون الدخول في عالمها يصعب عليهم الخروج منها بعد أن يتزوجوا، فهي ستخلق لهم مشكلات نفسية واجتماعية وربما تهدم بيوتاً في بداية تأسيسها.
وعن نسبة الاستشارات المجانية عبر الهاتف التي يقدمها مركز الإرشاد الأسري التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، عن خيانات الأزواج الإلكترونية، أوضحت مديرة المركز الدكتورة رحمة الغامدي أنها بلغت 22 في المئة، مضيفة: «على رغم أن المركز لم يمضِ على إنشائه نحو سبعة أشهر، إلا أن حجم معاناة النساء من أزواجهن يدق ناقوس الخطر في المجتمع».

الحبيب:ممارسة الخيانة عبر «وسائل التواصل» تنفيس سري

< عرّف استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب الخيانة الإلكترونية بأنها: «مصطلح افتراضي صمم ليواكب تلك الممارسات التي اقترفها البعض تحت مسمى الحرية الشخصية، وتحت مسمى الحقوق التي تجاهل الكثير أبعادها حتى صارت مجرد تجاوزات تهدد أمان العلاقات الزوجية وبالتالي الأسرية».
وأوضح أن ممارسة الخيانة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نوع من التنفيس السري لإشباع حاجة عاطفية مفتقدة، لافتاً إلى أنها ظاهرة موجودة وبشكل ملحوظ في المجتمع، مرجعاً أسبابها إلى غياب لغة الحوار الناضج بين الزوجين وغياب العاطفة في الحياة الزوجية، ما يدفع البعض إلى البحث عنها بطرق غير سليمة.
وأفاد بأن من أسبابها أيضاً تنصّل الزوجين عن دورهما في حماية الكيان الزوجي من خلال التخلي عن الطرف الآخر، والاستغراق في الأنانية وكذلك عدم الوعي بالضوابط الشرعية، مشيراً إلى أن هناك من يستهين بالالتزامات الأخلاقية مسايرة لأوضاع اجتماعية معينة، أو لرغبات خاصة في نفس الشخص، مضيفاً: «إعطاء تفسير لأسباب الخيانة لا يبرر وجودها»، معززاً بذلك مدى استهجان وقبح الخيانة. وحول ما إذا كانت الخيانة الإلكترونية مماثلة للخيانة الواقعية، بيّن أن ممارسة الخيانة لا تقتصر على أسلوب معيّن عند من اعتبرها أسلوباً في الحياة، موضحاً: «من اعتاد ممارستها على أرض الواقع لن يرى أي عقبة في ممارستها إلكترونياً».
ونفى الحبيب أن المجتمع يغفر خيانة الرجل أو يتقبلها منه وقال: «لكن ربما أن المجتمع لم يعتد مثل تلك السلوكيات من المرأة التي غالباً ما تستقذر سماعها، فضلاً عن ممارستها»، مقترحاً حلولاً للحد من الظاهرة من خلال «تفعيل منهج المشاركة داخل الحياة الزوجية، وقيام كل طرف بدوره لإصلاح الطرف الآخر، بشرط أن يبتعدا عن الحلول الوقتية التي تتسم بالانفعالية والاندفاعية، التي تهدم ولا تبني»، مضيفاً: «خلق نشاطات مشتركة بين الزوجين للتقارب في الاهتمامات، واستحداث نقاط الالتقاء الفكري والعاطفي، يحقق لكل طرف إشباعه الذاتي الخاص»، لافتاً إلى ضرورة إتاحة الفرصة لمشاعر ورغبات الشريكين لتجد نفسها في إطار العلاقة الزوجية تحت ضابط الشرع والعرف. وشدد على مراقبة الله لحماية النفس وحماية الآخرين من تلك الممارسات غير الناضجة، وما ينتج منها من عواقب وخيمة وخسائر نفسية كبيرة على ممارسها رجلاً كان أو امرأة ثم على المحيطين به، معتبراً الخيانة حالة من التخبط غير المقبول يمارسها من افتقد الحكمة في مواجهة حاجاته ومشكلاته، ليضع نفسه في مشكلة أعمق وأكثر ضرراً.

قانوني: إجراءات تكفل حق المرأة عند التعرض للخيانة

< أوضح المحامي أحمد الجهيمي أن المرأة التي تقع ضحية خيانة زوجها وترغب في الانفصال عنه، يمكنها الاختيار بين فسخ عقد الزواج واعتباره كأن لم يكن إذا استطاعت أن تثبت هذه الخيانة، ويشترط أن تتصف الخيانة «بالفسق» وفق تقدير القاضي إذ يحتاج منه إلى نظر واجتهاد، وإلى مدى حجم هذه الخيانة، إضافة إلى إمكان الخلع، وفيه تحتاج الزوجة إلى أن تبذل مالاً لتفتدي به نفسها فقط.
وذكر أن نوع العقوبات التي يتم تطبيقها على من تثبت خيانته عقوبات تعزيرية، مضيفاً: «تعتبر الخيانة الإلكترونية من الجرائم التي فيها حق عام، إذ تكون نقطة البداية من الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كي تسجل الأقوال الأولية، ثم تحال إلى هيئة التحقيق يعقبها الادعاء العام، إلى أن تنتهي بالمحكمة الجزائية المختصة بالعقوبات التعزيرية، ويتم فيها حكم القاضي على الواقعة وفق سلطة تقديرية يختص بها القاضي دون غيره، إذ يتم الحكم بالشدة أو بالتخفيف بحسب الجرم الذي وقع والأدلة المثبتة لوقوع هذه الجريمة».
وأرجع المحامي الجهيمي سبب انتشار جريمة الخيانة الزوجية إلكترونياً إلى ضعف الوازع الديني بالدرجة الأولى، إضافة إلى أسباب أخرى متنوعة ومتداخلة مع بعضها البعض، ومن أهمها الميل الفطري من الذكر إلى الأنثى، وكذلك من الأنثى إلى الذكر، وسهولة الوصول إلى الخيانة عبر وسائل التواصل بأنواعها.
وفسّر سبب النظرة الحادة للمجتمع صوب المرأة الخائنة بأن «دوافع الرجل إلى الخيانة أكبر وأشد من المرأة، لأن الرجل يميل إلى المرأة أكثر من ميل المرأة إلى الرجل»، مضيفاًً: «عندما تخون المرأة على رغم أن دافعها إلى الخيانة يقل عن الرجل هنا يكمن تجريم المجتمع لخيانتها واقترافها للذنب من هذا المبدأ، لأن القاعدة تقول كل ما زادت الدوافع ازداد الإثم»، موضحاً أن الأنثى يرتبط بها «عرض» و«شرف» الأسرة مقارنة بالرجل الذي يقتصر أداؤه أو خيانته على نفسه فقط».

0 التعليقات: